الرئيسة \  مواقف  \  اعتراف .. قسوتي .. بين الوتر الأرن والوتر الأخن على فوّهة الثقب الأسود

اعتراف .. قسوتي .. بين الوتر الأرن والوتر الأخن على فوّهة الثقب الأسود

18.01.2016
زهير سالم





اتصل بي بالأمس أخ أحبه وأحترمه وأثق فيه يراجعني في قسوتي فيما أكتب وأقرر . مهما اختلف معي هذا الأخ الحبيب فلن يختلف أن الواقع الذي نعيشه ونعالجه أو نعافسه هو أشد قسوة مما أكتب بعشرات المرات.
وليس تزكية لنفسي بل هو نوع من الاعتراف أن أقول إنني امرؤ إلى الضعف والرقة أقرب مني إلى الشدة والقسوة . وأنني فيما آتي وأدع أفضل أن النأي بضعفي لئلا أتحمل من المسئولية التي أعجب لبعض الناس يندفعون إلى مواقعها ويتحملون تبعاتها ، دون حساب دقيق لما هم فيه اليوم ولما يمكن أن يكون عليه أمرهم وأمر قضيتهم غدا ..
كتبت منذ سنة تقريبا مقالا عن (الوتر الأرن والوتر الأخن ) ولم أنشره بعدُ بينت فيه كيف أن الوتر الأرن المنضبط على مربطه بيد الفنان القدير يتفاعل مع كل لمسة تطيف به بما يناسبها لحنا مستجيبا لواقع الحال وكيف أن الوتر الأخن لا يكاد يحس بله أن يستجيب ...
كثير من السوريين الضعفاء الخليين من كل مسئولية أمثالي يعيش ساعات يومهم بل دقائقه على وقع ما يحصل لوطنهم وعلى أهلهم بواقع الوتر المشدود ، وينتظرون أمام كل نسمة روح أو ريح استجابة .. استجابة تجعل الرجل الخلي المطلوب منه أن يثق وأن يطمئن بعد أن يبصر ويفهم يسترخي وينام كأنما هو في حضن أم أو على كتف أب ...فإذا غاب عنهم هذا الذي يتوقعونه ؛ انخرطوا بنوع من الهذيان الصوتي المعبر عن ضعف أكثر مما يعبر عن قسوة كما يريد أن يوظفه البعض ، فإذا هم يصرخون ، وبالشكوى أو الاحتجاج يجأرون ...
شركات الطيران العالمي بعد أن احتفظت لنفسها بحق التأجيل والتأخير والتصرف بمواقيت رحلاتها وطرقها، ألزمت نفسها كرما منها – لأن عقودها عقود إذعان – أن تخبر ركاب الطائرة عن أي تأخير أو تغيير في مسار الرحلة وسببه ، وأن تطالبهم بشد الأحزمة بين يدي المطبات الجوية.. بل حين يكون كابتن الطائرة لطيفا يطل على ركابه في الرحلات الطويلة يلاطفهم ويطمئنهم . أو يرسل إليهم صوته عبر المكبر يؤانسهم وأحيانا يعلمهم مثلا أنهم فوق جبال الألب أو يجتازون مضيقا أو يحاذون بطيرانهم القبة الخضرا ...
تنثال علينا الأحداث في وطننا سورية لحظيا . ويضغط على أعصابنا ( إعلام الخبر العاجل ) يهد في كل لحظة ركنا من كياننا . أخبار كلها تتهدد مصيرنا ومصير أجيالنا ووطننا ، كما تتهدد الريح العاصفة بركاب سفينة في عرض البحر تتقاذفها الأمواج من جهاتها الأربع ، وبينما السفينة تتخبط وتصعد وتهبط نتلمس مع الناس وجه الربان فلا نجده ، نصغي لصوته فلا نسمعه ، نتحسس ما يصدر عن صغار النوتية فلا نحس بما يبشر بخير ... فيخاف الضعفاء من الناس فيصرخون ، ويتجلد أولو العزم منهم فيصمتون ؛ فلا صراخ هؤلاء قسوة ولا صمت أولئك رضى وغبطة
في علم الفلك كان مما قرأت – ولا أدري إن كان ما يزال صحيحا - أن في قبة الفلك ثقبا أسود هو مقبرة الكثير من الكواكب والنجوم والمجرات . ثقب يضيع فيه كل ما يصير إليه ؛ تماما كما تضيع الأخبار والأحداث والمصائب والمصائر عندما تصير بأيدي بعض الناس الذين ننتظر منهم الانفعال بها والتعامل معها وإعادة صياغتها . نلاحظ فيما نحن فيه كثرة الكرات تهز شباك المرمى في كل لحظة ثم تذوب فيه . أين تذوب وكيف تفنى وإذا نظرية لافوازيية مجرد هراء .
في طفولتي الأولى كان في بيتنا بئر ، وكنت إذا غابت والدتي عن البيت وأخذت أصرخ بضعف الطفولة تحملني أختي الكبرى إلى فم البئر فأنادي ... وأذكر أنني كنت أسمع جوابا لصوتي يقنعني أن أمي قادمة عن قريب...
اليوم ، ورغم أنني أنادي عليهم صباح مساء بكل ما أملك من قسوة الشيخوخة على فوّهة الثقب الأسود ؛ لا يرتد إليّ من صوتي شيء ..
أحب أن أعتذر عن قسوتي أقصد عن ضعفي . وأذكر أن العلماء نصوا أنه ما من أمر إيقاعه سنة ورده فريضة غير السلام ...
أيها المهومون في أعماق أو في آفاق اللامكان على أي حال كنتم معذرة إليكم ، ندمت على ما فعلت وعزمت على ألا أعود ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
لندن : 8 / ربيع الآخر / 1437
18 / 1 / 2016
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk